أنا ونونو فى المكتب
تدخل بنت عمرى عامها الثامن
بعد أيام ، فى نفس الوقت التى ستبدأ فيه عامها الدراسى الجديد ، الصف الثانى إبتدائى
فرنسى ، فرحة ممتزجة بخوف كعادة كل الامهات ، نجهز سويا إعدادات الدخول للمدرسة ،
اذكر كيف مرت السنوات الماضية بعذاب أحمد الله عليه ، فيه تحملت نونو التى كانت
نونو جدا المعاناة معى ، كيف احتملت الطريق المرهق وأنا أحملها كل يوم أثناء ذهابى
للعمل فى طريق طويل من أخر فيصل لرمسيس فى الشمس بالحر والبرد بالمطر ، كيف احتملت
بقوة عجيبة أيام عصيبة من ضيق الحال ، ولم ترهقنى كطفلة بأعباء تربية يعانين منها أمهات
آخريات ، فهى طفلة شقية صحيح ولها طاقة جبارة لا تهدأ ، لكنها فى نفس الوقت تحن
على كأم وتحتوينى كصديقة ، ربما يتعجب البعض مما أقوله ، لكنها الحقيقة ، فهى لا
تطيق رؤيتى حزينة ، ولا تحتمل تعبى ، تصرخ وتبكى إذا ما مرضت ، وتعمل على بهجتى
طوال الوقت "نونو الصغنونو" هذا هو دلعى لها ، تطلب منى تعلم البيانو ،
فأشترك لها فى الاوبرا فى كورس بيانو فتذهب مرتين ، ثم تخبرنى إنها ملت ، وأن
مدرسة البيانو كرهتها فى البيانو، ثم تطلب تعلم التمثيل والرقص ، فأقدم لها فى
ورشة تمثيل ورقص فى أحد مسارح الدولة ، فتسعد جدا ، وتقوم بعمل عروض كاملة أمامى ،
وعندما تقف على المسرح تخجل ، ولكنها سعيدة بالصحبة ، ثم تذهب لحفظ القرأن الذى حفظته
بسهولة ، وتجيد التفرقة بين أفكار خالها محمد المتدين بتزمت وبين افكارى
الليبرالية بذكاء فطرى مدهش ، تسألنى عن أبوها
- انت تعلمين اين هو ؟
فتخبرنى
- هو فقط وحشنى ،
"اشمعنى البنات فى المدرسة عندها اب وانا لا " ؟
يوم كنت اعرف انه سيأتى ،
ولكنها قوية بقدر يجعلنى أطمئن إنها تستوعب تماما أن الأمر ليس بيدنا ، ترسم بخطوط
حرة غير مقيدة ، لم تحب يوما تلك الكراسات المجهزة للتلوين ، رغم سوء خطها حتى
الان والذى هو سبب لمعركتنا الدائمة اثناء قيامنا بحل الواجب ، ورغم ان نصيحة بعض
الاصدقاء هى كراسات التلوين الجاهزة ، لانها ستجبرها على التلوين داخل الخط
المرسوم سلفا ، فتلتزم بالخط ، إلا إنها رافضة تماما لهذا الأمر ، أتركها على
حريتها ، ولا يهمنى إطلاقا أن تكون متفوقة والأولى على الفصل ، ولكن الشىء الوحيد
الذى يعنينى هو أن تكون سعيدة فى الفصل ، وتحب المدرسة وتخاف من تهديدى لها
-"هاخرجك من المدرسة
يا نهى لو مبقتش شاطرة "
فتبكى فورا وهى تقول
-" لا يا ماما انا بحب
مدرستى واصحابى كلهم "
نونو فى المترو
هذا ما يهمنى أن تحب وتفرح
بما تفعله وتمر به ، ولا يهم أن تكون الأولى وهى تكره المدرسة وأصحاب المدرسة ، فى
أعتاب عامها الثامن ، تتعلم نونو السباحة ، وتحفظ القرأن ، وتعشق صورة العذراء
والمسيح ، وتسأل بائع الحلى عن سعر قلادة للعذراء ، وترسم على حامل رائع للرسم
اهدته لها شيماء كامل صديقتىنا الفنانة التشكيلية ، لوحة من وحى تشجيع سعاد عبد
الرسول ، وبتحفيز من رسمة مى مجدى الجابرى الذى رأتها عندها ونحن نزور صفاء عبد
المنعم ، وعندما ابدى لها ملاحظة على الرسم ترد :
-
ماما لوسمحتى انا فنانة وعارفة انا بعمل ايه ؟
تلبس السارى الهندى الذى احضرته لها سارة علام صديقتنا وتضع على رأسها توكة
تشبه التاج الملكى احضرتها لها نهى أختى من اليمن ، وتسير متبخترة كأميرة صغيرة
تحكم إمارة قلوب كل من يراها ، تصادق أصدقائى وتسأل عنهم ربما أكثر منى ، تفكرنى
بجيهان عمر وتقولى :
-
إتصلى بها يا ماما .
مع روائعها الفنية فى بيت سعاد وصلاح
-
فين هدير يا ماما انا عايزا اشوف كركور
-
انا عايزا اروح عند سمية وحشتنى اوى
-
طيب كلمى عمو رفيع هو فين مختفى ؟
- مبنشوفش ميوى ليه يا مامى (مى خالد)
-
يالا نروح البستان ميكى وحشنى ( يعرف الاصدقاء
ان ميكى هو الكاتب مكاوى سعيد)
تأتى معى للعمل الذى حفظت أدواره وموظفينه وصحفيينه ، وتدخل المكاتب تسأل
عنهم أول مكتب تدخله دائما هو مكتب جدو "زكى مصطفى "
نونو وجدو محملة على عملية قلبه وهى فى قلبه ربنا يخليه لينا يارب
ثم تقتحم مكتب رئيس
التحرير ونحن فى الإجتماع وتحضره معى ، لا أنكر أنى محظوظة بزملائى وبرؤسائى فى
العمل منذ اول يوم عملت به فى الجمهورية ، منذ اللحظة الأولى ، فهم تحملوا معى
ضجيجها وصخبها وساهموا فى تنمية وعيها دون قصد منهم ، تقفز فوق المكاتب وتلعب على
الكمبيوتر ، وتذهب للبوفيه بغرامة مالية تشفق على فيها صباح عاملة البوفية الجميلة
، "معلش بقى يا استاذة سهى ، انا والله مش عايزا اديها بس هى مصرة ، وبمجرد
النظر لها ، ماما الحاجة دى بس " ثم تتسلل للخط الساخن لبنات جميلات كانت هى
سبب معرفتى بهن ، فأقابل اياهن هنا او هناك يسألننى :
-
نهى عاملة ايه هى فين ؟ ثم تتسلل لمكتب الاستاذة جمالات يونس المسئولة
عن الخط الساخن وهى سيدة قوية بحنان يراعيه الجميع ، تقول لها فى جرآة : انا عايزا
اشتغل معاكى فى الخط الساخن ، فتعدها إنها يوما ما ستعلمها الشغل ، مع الوقت أستوعبت
فكرة الإلتزام فى المكان والهدوء
-
فين نهى ورغدة وولاء يا ماما هما مش جايين ، لا جايين ، وأنيتا
ومروة ، اقولها جايين برضه ، ايه نهى انتى بتشتغلى شئون عاملين ولا ايه ؟
انا ومروة وأنيتا(أميرة لطفى) ورغدة وولاء واحدث زميلة خلود
وعندما نذهب لمقابلة
هانزادا فى الاوبرا تسألها فين لولو ؟ نخرج مترجلين على كوبرى قصر النيل :
-
ماما البحر حلو اوى ، اقولها نييييل ، تقولى اه بحر ،
يانونو النيل ، ايوا طبعا بحر وتضحك ضحكة شقية ، نذهب للبستان وتحمل مع سعاد
سليمان كتب المعرض لميدان طلعت حرب وهى فى منتهى السعادة ، وتشاكس فى رباب ووسيمة
وميكى
أتذكر كيف كنت ابكى من ازعاجها لى فى وقت ما ، وكيف ترهقنى بطلبات لا حد
لها ، وكيف إنها الأن أصبحت اكثر تعقلا وهدوئا وتفهما ، وتفرقة بين ما هو هام وبين
ما هو تافه أحمد الله على إبنتى التى امتنعت عن الببرونه بنفسها وألقت بها من
شباك التاكسى ، وكيف خلعت لنفسها البامبرز وآصرت على أن تبدأ باستخدام الحمام
كالكبار ، وتحدثت بوضوح كامل ومشيت بسلامة
كل هذا فى وقت واحد فى عمر عام ونصف ، وكأنها تعطينى رسالة مغذاها "
انا مسئولة لا تخافى " فعلا فأن كل خوفى هو أن اتركها يوما وحيدة وهى لا تجيد
إدارة حياتها ، ولكن مع وجود ناس جميلة كالذى أهداهم الله لى فى رحلتى أطمئن ،
وأقول لا أنا مطمئنة ففى ظهرى يقفن سلوى عزب وهانزادا ، وانجى ، ومحمد رفيع ، وأسماء
رائعة يصعب حصرها يشجعوننى بكل الطرق على النجاح فى مهمتى الموكلة إلى من عند الله
، وذلك الشخص المجهول الذى لم أقابله حتى الأن ، أشكره بشدة ، فقد كانت مساندته
نواة قوية لوقوفى وصمودى ، وأن يساعدك بعضهم حتى تشعر بالبهجة اصلا ، ليس بمنطق
مساندة أرملة ويتيمة ، ولكن بمنطق إسعادك وفرحتك ، كأن تأخذنى أمل فرح انا ونونو
للكوافير لنبتهج بشعرنا وجمالنا ، لنقضى عيدا مفرحا ، وكأن يهدى مجدى الكفراوى
الوانا مميزة لها لترسم وتفرح ، ويترك لها "الاي باد" الخاص لتلعب به
منذ دخولنا لزيارتهم وحتى خروجنا ، غناها "بلادى يا بلادى أنا بحبك يا بلادى
" لتصورها ألفت عثمان بكاميراتها التى تحمل فيها مشاهد ميدان التحرير وماسبيرو
ومجلس الوزراء .
تعلقها بمالك صديق الحضانة الوسيم ، وسؤال فارس عليها كلما ذهبنا
للبستان ، سيطرتها على كلب بوليسى ضخم بقوة مذهلة ، والان تخاف حتى من القطة على
السلم ، الأن نحضر سويا الطعام ونرتب البيت ، تنهض مبتسمة كعادتها صباحا بابتسامة
مشرقة ويقظة مفاجئة وكأنها لم تكن نائمة ، تغسل اسنانها ووجهها وترتدى ملابسها
وتمشط شعرها ، يااااااااااه ، منذ عامين فقط ، كنا نتعارك على هذا ، الان تحترم
المواعيد بشكل مزعج لى انا شخصيا :
نهى والوحش مع فارس الوحش
- اتصلى يا ماما شوفيهم اتأخروا ليه ؟
- يا حبيبتى اصبروا
- الله هو مش معادهم دلوقتى
- يا حبيبتى اهدى شوية عشان منزعجش الناس الطريق وحش ، ينزلوا بدرى .
تقوم بتقليد الأشخاص بخفة
دم ، وتسخر من بعض الناس بإزعاج احيانا ، لكنها تجيد الإعتذار عندما تخطىء ، وتجيد
تخطيط اليوم والتفكير فى مشاريع يومية مبهجة ، لم تعد مرهقة فى طلباتها ، حتى انها
تفاجئنى عندما اعطيها لتدفع تذكرتين فى المترو بأنها دفعت تذكرة واحدة ، وتقولى
حطى الجنيه التانى فى حصالة المدرسة ، طبعا فى نفس التوقيت التى تطلب فيه باستمرار
طلبات هى مهمة لنا انا وهى ، واستوعبت إلغاء رحلة الغردقة هذا العام لان المدرسة
اولى ، والرحلة مكلفة ، فأعدها بأننا سنذهب العام القادم ، ويكفى أنك ذهبت للساحل مع سلوى وعمو محمد
نونو فى الساحل 2013
نونو فارسة فى الغردقة 2012
فتطالبنى بوعد ،
لأنى عندما اقول "وعد" فهى تعرف اننى سانفذه كما اعتدنا ، وعرف كل
اصدقائى واهلى ، ان لا يعدها احد بشىء لن ينفذه ، لانها ستنتظر تنفيذ الوعد وستأخذ
موقف من عدم الالتزام به ، تحب كل اصدقائها ولديها تفرقة بين تعريف الأخوة والصديق
، فتقول على مالك وفارس وسلمى وبسمة اصحابى ، وتنادى خالها ب"بابا"
وعمها محمد فريد أبو حبيبة وسارة وحنين وزوج صديقة عمرى سلوى "بابا" ،
وتقولى أختى فيروز واخويا أحمد وأخواتى حبيبة وسارة وحنين، وأخويا كريم ابن هدير
واختى منة بنت ميراج حتى بندق أبن لوسى ووالتر تقول عنها أخويا بندق ، لدرجة إن
الكثير الذين لا يعرفونا يعتقدون ان فعلا كل هؤلاء اخواتها.
مر الكثير وأت أكثر ، بأذن
الله سنعبره سويا ، هى تدعمنى وتقوينى وتفخر بى ، تشاركنى نشاطى الثقافى والأجتماعى
، وأشاركها نشاطها الطفولى والأجتماعى أيضا ، تحفظ أسماء كتبى وتسردها لأصدقائها
وأنا أتقوى بها عليها ولها ، بارك الله فيها وأعطانى الصحة والعافية فقط لأجلها .
وبورك صديقتاى اللتان يقفان
كحائط قوى فى ظهرى هانزادا وانجى ، وأبى وزوجته الوفية وفاء اللذان يساهمان فى خلق
جو اسرى مستقر لها ، واخواتى واحتمالهم لى فى كل ما مررت به
الاستاذة وفاء فريد زوجة جد نونو القمر بتموت فيها وبتساند مسيرتها الإبداعية
وكل اصدقائائى الأخرين الذين يحفزوننى على
التقدم بنفسى وبأبنتى ، بوركتم جميعا واسعدكم الله مثلما اسعدتمونى ، الأن بفضل
وجودكم معى ، اسكن بجوار عملى ومدرسة ابنتى ، يوما بعد يوم يخف العناء ، واتعشم
عندما يهل العام التاسع لها ، وبدايتها فى العام الدراسى الثالث ، أن تختفى كل
المعاناة ، انا سعيدة J
عزيزتى سهى لك أن تفتخرى بنهى أولا ، وثانيا تفتخرى بنفسك لأنك ساهمتى بششكل غير مباشر فى تشكيل كل هذا دون قصد ولكن بدافع الحب والسماح لها بالكثير من الحرية التى حرمنا منها ونحن صغار بكل وسائل القمع التى مورست علينا ونح أطفال ، بداية من النظرة وأنتهاء بالعقاب البدنى أو الحرمان من مشاهدة التليفزيون ، كل هذا القمع أمات فينا صفات جميلة ربما هى تخرج على الورق ولا نحياها فى الحياة ، ولكن نهى تعيش الفن وتمارسة وهذا بفضل الوعى ، وسوف تكون طفلة نجيبة بجد فهى ذكية ونبيهه ولديها سرعة بديهه ، فهى تشبه مى فى الكثير من الصفات ، ولكن حذارى من الأم العصبية وهذا ما تعانى منه مى الآن ، وربنا يوفقك ، وتكونى أفضل منى كثيرا فى ملاحظة ذلك ، فأنا أحيانا العمل والتفكير فيه يأخذنى من مى ولا استطيع تلبية كل طلاباتها وخصوصا هى متعلقة بى بشكل قاتل أو مرضى لأنها خرجت للحياة فلم تجد أمامى سواها .
ردحذف