الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

ماما نونو 8 سنوات من تربيتى

                                     أنا ونونو فى المكتب 
تدخل بنت عمرى عامها الثامن بعد أيام ، فى نفس الوقت التى ستبدأ فيه عامها الدراسى الجديد ، الصف الثانى إبتدائى فرنسى ، فرحة ممتزجة بخوف كعادة كل الامهات ، نجهز سويا إعدادات الدخول للمدرسة ، اذكر كيف مرت السنوات الماضية بعذاب أحمد الله عليه ، فيه تحملت نونو التى كانت نونو جدا المعاناة معى ، كيف احتملت الطريق المرهق وأنا أحملها كل يوم أثناء ذهابى للعمل فى طريق طويل من أخر فيصل لرمسيس فى الشمس بالحر والبرد بالمطر ، كيف احتملت بقوة عجيبة أيام عصيبة من ضيق الحال ، ولم ترهقنى كطفلة بأعباء تربية يعانين منها أمهات آخريات ، فهى طفلة شقية صحيح ولها طاقة جبارة لا تهدأ ، لكنها فى نفس الوقت تحن على كأم وتحتوينى كصديقة ، ربما يتعجب البعض مما أقوله ، لكنها الحقيقة ، فهى لا تطيق رؤيتى حزينة ، ولا تحتمل تعبى ، تصرخ وتبكى إذا ما مرضت ، وتعمل على بهجتى طوال الوقت "نونو الصغنونو" هذا هو دلعى لها ، تطلب منى تعلم البيانو ، فأشترك لها فى الاوبرا فى كورس بيانو فتذهب مرتين ، ثم تخبرنى إنها ملت ، وأن مدرسة البيانو كرهتها فى البيانو، ثم تطلب تعلم التمثيل والرقص ، فأقدم لها فى ورشة تمثيل ورقص فى أحد مسارح الدولة ، فتسعد جدا ، وتقوم بعمل عروض كاملة أمامى ، وعندما تقف على المسرح تخجل ، ولكنها سعيدة بالصحبة ، ثم تذهب لحفظ القرأن الذى حفظته بسهولة ، وتجيد التفرقة بين أفكار خالها محمد المتدين بتزمت وبين افكارى الليبرالية بذكاء فطرى مدهش ، تسألنى عن أبوها
- انت تعلمين اين هو ؟ فتخبرنى
- هو فقط وحشنى ، "اشمعنى البنات فى المدرسة عندها اب وانا لا " ؟
يوم كنت اعرف انه سيأتى ، ولكنها قوية بقدر يجعلنى أطمئن إنها تستوعب تماما أن الأمر ليس بيدنا ، ترسم بخطوط حرة غير مقيدة ، لم تحب يوما تلك الكراسات المجهزة للتلوين ، رغم سوء خطها حتى الان والذى هو سبب لمعركتنا الدائمة اثناء قيامنا بحل الواجب ، ورغم ان نصيحة بعض الاصدقاء هى كراسات التلوين الجاهزة ، لانها ستجبرها على التلوين داخل الخط المرسوم سلفا ، فتلتزم بالخط ، إلا إنها رافضة تماما لهذا الأمر ، أتركها على حريتها ، ولا يهمنى إطلاقا أن تكون متفوقة والأولى على الفصل ، ولكن الشىء الوحيد الذى يعنينى هو أن تكون سعيدة فى الفصل ، وتحب المدرسة وتخاف من تهديدى لها
-"هاخرجك من المدرسة يا نهى لو مبقتش شاطرة "
فتبكى فورا وهى تقول
-" لا يا ماما انا بحب مدرستى واصحابى كلهم "
                                         نونو فى المترو
هذا ما يهمنى أن تحب وتفرح بما تفعله وتمر به ، ولا يهم أن تكون الأولى وهى تكره المدرسة وأصحاب المدرسة ، فى أعتاب عامها الثامن ، تتعلم نونو السباحة ، وتحفظ القرأن ، وتعشق صورة العذراء والمسيح ، وتسأل بائع الحلى عن سعر قلادة للعذراء ، وترسم على حامل رائع للرسم اهدته لها شيماء كامل صديقتىنا الفنانة التشكيلية ، لوحة من وحى تشجيع سعاد عبد الرسول ، وبتحفيز من رسمة مى مجدى الجابرى الذى رأتها عندها ونحن نزور صفاء عبد المنعم ، وعندما ابدى لها ملاحظة على الرسم ترد :  
-       ماما لوسمحتى انا فنانة وعارفة انا بعمل ايه ؟
تلبس السارى الهندى الذى احضرته لها سارة علام صديقتنا وتضع على رأسها توكة تشبه التاج الملكى احضرتها لها نهى أختى من اليمن ، وتسير متبخترة كأميرة صغيرة تحكم إمارة قلوب كل من يراها ، تصادق أصدقائى وتسأل عنهم ربما أكثر منى ، تفكرنى بجيهان عمر وتقولى  :
-       إتصلى بها يا ماما .
                                                    مع روائعها الفنية فى بيت سعاد وصلاح
-        فين هدير يا ماما انا عايزا اشوف كركور
-        انا عايزا اروح عند سمية وحشتنى اوى
-       طيب كلمى عمو رفيع هو فين مختفى ؟
- مبنشوفش ميوى ليه يا مامى (مى خالد)
-        يالا نروح البستان ميكى وحشنى ( يعرف الاصدقاء ان ميكى هو الكاتب مكاوى سعيد)
تأتى معى للعمل الذى حفظت أدواره وموظفينه وصحفيينه ، وتدخل المكاتب تسأل عنهم أول مكتب تدخله دائما هو مكتب جدو "زكى مصطفى "
                       نونو وجدو محملة على عملية قلبه وهى فى قلبه ربنا يخليه لينا يارب 

ثم تقتحم مكتب رئيس التحرير ونحن فى الإجتماع وتحضره معى ، لا أنكر أنى محظوظة بزملائى وبرؤسائى فى العمل منذ اول يوم عملت به فى الجمهورية ، منذ اللحظة الأولى ، فهم تحملوا معى ضجيجها وصخبها وساهموا فى تنمية وعيها دون قصد منهم ، تقفز فوق المكاتب وتلعب على الكمبيوتر ، وتذهب للبوفيه بغرامة مالية تشفق على فيها صباح عاملة البوفية الجميلة ، "معلش بقى يا استاذة سهى ، انا والله مش عايزا اديها بس هى مصرة ، وبمجرد النظر لها ، ماما الحاجة دى بس " ثم تتسلل للخط الساخن لبنات جميلات كانت هى سبب معرفتى بهن ، فأقابل اياهن هنا او هناك يسألننى :


-       نهى عاملة ايه هى فين ؟  ثم تتسلل لمكتب الاستاذة جمالات يونس المسئولة عن الخط الساخن وهى سيدة قوية بحنان يراعيه الجميع ، تقول لها فى جرآة : انا عايزا اشتغل معاكى فى الخط الساخن ، فتعدها إنها يوما ما ستعلمها الشغل ، مع الوقت أستوعبت فكرة الإلتزام فى المكان والهدوء
-       فين نهى ورغدة وولاء يا ماما هما مش جايين ، لا جايين ، وأنيتا ومروة ، اقولها جايين برضه ، ايه نهى انتى بتشتغلى شئون عاملين ولا ايه ؟
                                                انا ومروة وأنيتا(أميرة لطفى) ورغدة وولاء واحدث زميلة خلود
وعندما نذهب لمقابلة هانزادا فى الاوبرا تسألها فين لولو ؟ نخرج مترجلين على كوبرى قصر النيل :
-       ماما البحر حلو اوى ، اقولها نييييل ، تقولى اه بحر ، يانونو النيل ، ايوا طبعا بحر وتضحك ضحكة شقية ، نذهب للبستان وتحمل مع سعاد سليمان كتب المعرض لميدان طلعت حرب وهى فى منتهى السعادة ، وتشاكس فى رباب ووسيمة وميكى 
أتذكر كيف كنت ابكى من ازعاجها لى فى وقت ما ، وكيف ترهقنى بطلبات لا حد لها ، وكيف إنها الأن أصبحت اكثر تعقلا وهدوئا وتفهما ، وتفرقة بين ما هو هام وبين ما هو تافه أحمد الله على إبنتى التى امتنعت عن الببرونه بنفسها وألقت بها من شباك التاكسى ، وكيف خلعت لنفسها البامبرز وآصرت على أن تبدأ باستخدام الحمام كالكبار ، وتحدثت بوضوح كامل ومشيت بسلامة  كل هذا فى وقت واحد فى عمر عام ونصف ، وكأنها تعطينى رسالة مغذاها " انا مسئولة لا تخافى " فعلا فأن كل خوفى هو أن اتركها يوما وحيدة وهى لا تجيد إدارة حياتها ، ولكن مع وجود ناس جميلة كالذى أهداهم الله لى فى رحلتى أطمئن ، وأقول لا أنا مطمئنة ففى ظهرى يقفن سلوى عزب وهانزادا ، وانجى ، ومحمد رفيع ، وأسماء رائعة يصعب حصرها يشجعوننى بكل الطرق على النجاح فى مهمتى الموكلة إلى من عند الله ، وذلك الشخص المجهول الذى لم أقابله حتى الأن ، أشكره بشدة ، فقد كانت مساندته نواة قوية لوقوفى وصمودى ، وأن يساعدك بعضهم حتى تشعر بالبهجة اصلا ، ليس بمنطق مساندة أرملة ويتيمة ، ولكن بمنطق إسعادك وفرحتك ، كأن تأخذنى أمل فرح انا ونونو للكوافير لنبتهج بشعرنا وجمالنا ، لنقضى عيدا مفرحا ، وكأن يهدى مجدى الكفراوى الوانا مميزة لها لترسم وتفرح ، ويترك لها "الاي باد" الخاص لتلعب به منذ دخولنا لزيارتهم وحتى خروجنا ، غناها "بلادى يا بلادى أنا بحبك يا بلادى " لتصورها ألفت عثمان بكاميراتها التى تحمل فيها مشاهد ميدان التحرير وماسبيرو ومجلس الوزراء .

   
تعلقها بمالك صديق الحضانة الوسيم ، وسؤال فارس عليها كلما ذهبنا للبستان ، سيطرتها على كلب بوليسى ضخم بقوة مذهلة ، والان تخاف حتى من القطة على السلم ، الأن نحضر سويا الطعام ونرتب البيت ، تنهض مبتسمة كعادتها صباحا بابتسامة مشرقة ويقظة مفاجئة وكأنها لم تكن نائمة ، تغسل اسنانها ووجهها وترتدى ملابسها وتمشط شعرها ، يااااااااااه ، منذ عامين فقط ، كنا نتعارك على هذا ، الان تحترم المواعيد بشكل مزعج لى انا شخصيا :
                                                        نهى والوحش مع فارس الوحش
- اتصلى يا ماما شوفيهم اتأخروا ليه ؟
- يا حبيبتى اصبروا
- الله هو مش معادهم دلوقتى
- يا حبيبتى اهدى شوية عشان منزعجش الناس الطريق وحش ، ينزلوا بدرى .
تقوم بتقليد الأشخاص بخفة دم ، وتسخر من بعض الناس بإزعاج احيانا ، لكنها تجيد الإعتذار عندما تخطىء ، وتجيد تخطيط اليوم والتفكير فى مشاريع يومية مبهجة ، لم تعد مرهقة فى طلباتها ، حتى انها تفاجئنى عندما اعطيها لتدفع تذكرتين فى المترو بأنها دفعت تذكرة واحدة ، وتقولى حطى الجنيه التانى فى حصالة المدرسة ، طبعا فى نفس التوقيت التى تطلب فيه باستمرار طلبات هى مهمة لنا انا وهى ، واستوعبت إلغاء رحلة الغردقة هذا العام لان المدرسة اولى ، والرحلة مكلفة ، فأعدها بأننا سنذهب العام القادم ، ويكفى أنك ذهبت للساحل مع سلوى وعمو محمد 

                                                                   نونو فى الساحل 2013

                                                           نونو فارسة فى الغردقة 2012
فتطالبنى بوعد ، لأنى عندما اقول "وعد" فهى تعرف اننى سانفذه كما اعتدنا ، وعرف كل اصدقائى واهلى ، ان لا يعدها احد بشىء لن ينفذه ، لانها ستنتظر تنفيذ الوعد وستأخذ موقف من عدم الالتزام به ، تحب كل اصدقائها ولديها تفرقة بين تعريف الأخوة والصديق ، فتقول على مالك وفارس وسلمى وبسمة اصحابى ، وتنادى خالها ب"بابا" وعمها محمد فريد أبو حبيبة وسارة وحنين وزوج صديقة عمرى سلوى "بابا" ، وتقولى أختى فيروز واخويا أحمد وأخواتى حبيبة وسارة وحنين، وأخويا كريم ابن هدير واختى منة بنت ميراج حتى بندق أبن لوسى ووالتر تقول عنها أخويا بندق ، لدرجة إن الكثير الذين لا يعرفونا يعتقدون ان فعلا كل هؤلاء اخواتها.



مر الكثير وأت أكثر ، بأذن الله سنعبره سويا ، هى تدعمنى وتقوينى وتفخر بى ، تشاركنى نشاطى الثقافى والأجتماعى ، وأشاركها نشاطها الطفولى والأجتماعى أيضا ، تحفظ أسماء كتبى وتسردها لأصدقائها وأنا أتقوى بها عليها ولها ، بارك الله فيها وأعطانى الصحة والعافية فقط لأجلها .

وبورك صديقتاى اللتان يقفان كحائط قوى فى ظهرى هانزادا وانجى ، وأبى وزوجته الوفية وفاء اللذان يساهمان فى خلق جو اسرى مستقر لها ، واخواتى واحتمالهم لى فى كل ما مررت به  

                            الاستاذة وفاء فريد زوجة جد نونو القمر بتموت فيها وبتساند مسيرتها الإبداعية        

وكل اصدقائائى الأخرين الذين يحفزوننى على التقدم بنفسى وبأبنتى ، بوركتم جميعا واسعدكم الله مثلما اسعدتمونى ، الأن بفضل وجودكم معى ، اسكن بجوار عملى ومدرسة ابنتى ، يوما بعد يوم يخف العناء ، واتعشم عندما يهل العام التاسع لها ، وبدايتها فى العام الدراسى الثالث ، أن تختفى كل المعاناة ، انا سعيدة J