الاثنين، 29 سبتمبر 2014

الجيرة والعشرة لنونو (1)

                                    نونو مع كريم ناصف ابن صديقتى هدير وصديق طفولة نونو
تتعلم البنت كل يوم جديد ، تقوم بتطبيقه على أنا الأم الصغيرة كما تنادينى دائما 
- يا ماما متمثليش لو سمحتى وتعملى دور الام 
منذ انتقلنا للشقة الجديدة التى تكفينى انا وهى بالكاد ، وفى شارع حيوى من شوارع الظاهر القديمة ، حيث يتعارف الجيران ويتحابوا ويختلفوا ، وهى سعيدة بهؤلاء الأطفال المنتشرون فى الشارع يلعبون الكرة ، ويتعاركون ويصرخون ، ولكن للاسف جاء كل الجيران من الاطفال ذكور ، واستطاعت فى النهاية ان يكون لها ثلاثة اصدقاء فقط منهم حتى الان ، محمد ومحمود وزياد ، احيانا تلح على الحاحا شديدا عندما ينادون عليها من الشارع لتلعب معهم على السلم ، فاتركها قليلا ، وعندما تعود لى متأثرة بشقاوة الولاد ، أتعارك معها وأنا اخبرها :
- أنتى بنت رقيقة لا يجوز انت تتعاملى كما يتعامل الولاد 
- يا ماما دول اخواتى ، متخافيش 
- ماانتى بتيجى تعيطى وتقوليلى فلان زقنى ، فلان خضنى 
- لا ما انا قلت لمامته خلاص ومش هايعمل كدا تانى 
ورغم تحذيرى المستمر لها بأننى لا أحب اختلاط الجيران ، وأن لعبها مع هؤلاء الاولاد سيجبرنى على الاختلاط بهم ، تقول لى :
- يا ماما الناس طيبين وبيحبونا 


                                            نونو وهى بتمثل على 
لا تعرف ابنتى كم أخاف من الناس ، ونفوسهم ، ولا تعرف اننى كنت اراهم حتى وقت قليل مثلما تراهم ، ولكنى كبرت بالقدر الذى جعلنى ، لا احتمل تقلبات البشر واهوائهم الغير متوقعة ، كبرت بالقدر الذى يخيفنى من الحديث لدقائق على السلم مع جار او جارة ، فأنا لا أريد معايشة مشكلات تافهة ربما تحدث بسبب طفل او بسبب بائع متجول رفض ان يعطي الجارة سلعة نظيفة ، فتتعارك معه ، وتشهدنى مثلا ، لا اريد ان ينادى على احدهم من الشباك .
- والنبى يا مدام شيلى الغسيل ، او معندكيش حبة ملح ، او جورنال 
هى اشياء بسيطة وجميلة ولكنها تفتح بابا للحوار وللتقارب لا أريده ، فأنا أمرأة مختلفة قليلا عنهم ، اكتفى بأصدقائى الذين يشبهون روحى وثقافتى ، دائرتى رغم اتساعها الا اننى احبها منغلقة على من اعرفهم ، هدير ، سلوى ، نهى ، ميراج ، هانزادا ، مى ، سمية ، وفاء ، هبة ، رغدة ، ولاء ، وأخريات صنعت السنين بينى وبينهن صداقة امينة وطيبة وأمنة ايضا على وعلى ابنتى ، فأنا أحب أن تلعب ابنتى مع اولادهن ، ولا أحبها ان تختلط باشخاص خارج هذه الدائرة ، ولكن كان لابنتى رأيا أخر فى تحركاتها ، فهى تريد ان تعرف كل الناس وتتعرف على كل الاولاد ، واجتماعية أكثر منى ومن أبوها الله يرحمه ، ولا تكتفى ولا تحزن بفقدان احد هؤلاء الاصدقاء الصغار الذى تكتسبهم يوما بعد يوم ، منذ عامها ا لثانى وهى تحفظ اسماء اصدقائها ، حتى انها هذا العام ، بدأت تتعامل مع اصدقاء الحضانة كأنهم اصدقاء من الماضى ، فتجلس معى وتذكرنى وهى تقول لى :
- فاكرة يا ماما زمان وانا فى الحضانة ، ههههههه، ابتسم واقول لها نعم زمان 
- اه يا ماما فاكرة سلمة وضحى وفارس ومالك ، يا سلام والله وحشونى ، ابتسم من قلبى واصمت .

                          نونو مع الفنان محمد رياض اثناء افتتاح العرض المسرحى الخاص به
منذ انتقلت الى البيت الجديد وأنا أحاول جاهدة تجنب الجيران ، أصطحب ابنتى معى الى العمل ورغم يقينى ان بعض الزملاء يستاءون من اصطحابى لها ، ويتذمرون ، الا انى للاسف ليس لدى حل بديل ، فأنا ليس لى أم اذهب لاترك لها ابنتى ، وليس لى صديقة تشعر بى وتقول لى ، هاتى نهى سيبيها مع العيال ، وليس هناك حضانة لمثل سنها فقد كبرت عليها ، وكل النشاطات الأخرى المتاحة فى موعد العمل  يتعدى سعرها الشهرى ال500ج ، فكنت أضطر لاصطحابها أوفر للنفقات ولكرامتى فلا يمكن ان أسأل أحد الجيران أو الاصدقاء ، هل يمكن أن أترك نهى صباحا عندكم حتى عودتى من العمل ، لايوجد مثل هذا الشىء الان ، وكان يوم يوم العمل ، اخذها معى فى جولة للسينما ، للمسرح ، للمتحف ، لمقابلة صديقة لها تواعدها ، المهم ان نبتعد عن الجيران ، ونجحت لفترة طويلة هذه الحكاية ، خاصة وانهم كانوا يروننى كما يرانى الناس دائما عندما سكنت فى البداية سيدة مسيحية لمجرد انى غير محجبة وتجنبونى طويلا ، حتى تأكدوا انى مسلمة ، وهذا اول شىء يقفلنى من الناس ، ورحبوا بى واحتضوننى واحبونى انا وابنتنى عندما تأكدوا اننى مسلمة وامرأة مسكينة ووحيدة ، وانهالت على مساعدتهم الودية فى عرض العرسان واحدة تلو الاخرى ، وكأنى سأموت فورا اذا لم أتزوج ، ونوعية عرسان لا تناسبنى ، وهم لا يفهمون لماذا أرفض ، وانا الأرملة المسكينة الوحيدة الام التى تحتاج لمن يعتنى بها ويصرف عليها ، هذه رؤيتهم لى من بعيد ، الشقيانة على بنتها ، ربما لديهم حق فى هذه النظرة ، ولكن هم لا يعرفون كيف أفكر ، ولا يدركون ان الزواج بالنسبة لى لا علاقة له بأى رجل والسلام ، فهناك امرأة احضرت لى عريسا محترما رجل تعدى الستين يعمل نجار وغنى جدا وكل ما يريده امرأة تدلله لانه طاقة ويريد أمرأة دلوعة ، وسيراعى ابنتى وانا وسينغنغنا نغنغة كدا على حد قولها ، عندما رفضت الرجل ، نظرت لى نظرة بها غيظ شديد وهى تقولى لى (هو انتى فاكرة نفسك بنت بنوت أنتى ارملة واربعين سنة وعندك عيلة ، استنى بقى لما تلاقى الشاب) قلت لها يا ستى انا لا جميلة ولا بنت بنوت ولا الكلام ده كله ، انا أمرأة حرة ومن حقى انا اختار براحتى ما يناسبنى ويناسب عقلى وظروفى ، حتى وان لم أكن أمرأة جميلة او صغيرة ، من حق كل انسان ان يختار ما يناسبه ، نظرت لى نظرة اشد غيظا من النظرة الاولى ، تركتها ومشيت ، وهكذا كلما رفضت احد هؤلاء العرسان اغتاظ جيرانى منى ، وكأنهم اخذوا على عاتقهم مسئولية وحدتى ، نعم هو شعور طيب منهم لكنى بصراحة اراه فضولى اكثر من اللازم ، واخيرا اخبرت الجميع ، من فضلكم ابتعدوا عنى بعرسانكم فأنا سأربى أبنتى وكفى ، ويتنافسن السيدات على تدليل نونو وارضائها فى محاولة منهن لتجنيدها ليعرفون منها معلومات عن ماما وحياتها ، ولكن نهى تأتى وتخبرنى بذكاء فطرى 
- على فكرة يا ماما طنط فلانة دى مش كويسة ، بتسألنى بتقولى كذا ، مش عيب يا ماما لما حد يتكلم على حد وهو مش موجود ، اقولها صح يا نونو ، صح
ربما كانت للجيرة الجديدة عيوب ، واخاف بشدة على ابنتى منها ، ولكن ايضا ربما لها ميزات ستثقل لها شخصيتها وتدعم لها مبادىء لا استطيع بثها لها بشكل مباشر فتاأتى لها عن طريق الشارع الكبير والناس الكتير ، وفى النهاية لكم تمنيت أن يكون لى جيران يشبهون جيران امى ، وعائلتى ، هؤلاء الجيران الذى يقال عنهم أنهم أقرب من الأهل ، يخافون على وعلى أبنتى واشعر تجاههم بالمحبة والاخوة ، احلام جميلة