الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

مع طلوع الروح المريمية ( نص مهدى لابنتى نهى يوم عيد ميلادها)


 هدية عروسة جميلة سمتها "إيلى" على اسم البنت الشقية اللى 
فى فيلم "up" وغدا فى ماك عشان تلعب براحتها ، روحنا البيت 
كان نفسى اعملها عيد ميلاد كبير ، بس انشالله السنة الجاية 
اقدر اعمل ده ، بس من المؤكد اننا بنجيب الهدية علشان بنشكر
اللى بنحبه على وجوده فى حياتنا . اشكرك يارب على نعمتك
بنتى حبيبتى ، لك ما كتبته عنك وقت ولادتك .
1-بعيدا عنها ..
ضوء قمر يشع من السماء ، ما هذه الاضاءة التى تدفعنا للأطمئنان من ظلمة الأرض العتمة ؟!
لأول مرة أشعر أننى كبيرة ، لا أخاف إنقطاع الكهرباء المفاجىء فى منتصف الليل ولا أخاف من ظلال الناس الظاهرة من الشبابيك الناتجة عن الشموع ولمبات الجاز  ربما لأننى تأكدت أن الظلال لا تخيف ، بل الشىء الوحيد الذى يمكن أن يخيفنى الأن ، هو ظهور أنسان حقيقى فى الظلمة !!
تراودنى أفكارى المعتادة بقوة ، فها أنا أقف فى بلكونة الصالة ، آلمح رؤوس الجيران وهى تتحرك بنشاط والشباب المراهقين الذين تجمعوا حول بالوعة المجارى الموجودة فى منتصف الشارع ، خرج الجميع للحديث والتسلية حتى تعود الكهرباء ، جعلنى سلوكهم هذا أشعر بالأمان مع إنقطاع النور عنى لأول مرة وأنا وحيدة مع أبنتى المتكومة فى بطنى ...
أمرأة وحيدة فى منزل مقطوع الكهرباء مع جنين هو الوحيد الذى يشعر بى ، يرافقنى ويؤلمنى الأن ...
كانت تراودنى دائما تلك الجملة ، ولا أعرف كيف أكملها ..
" إذا أردت أن تتطهر ..."
وأقف على هذا ، ولماذا يشغلنى التطهر أصلا ؟!
ربما كلما تذكرت أيام الأصدقاء المنسية منهم ونكرانهم لوجودى الأن فى الصالة المظلمة وأنا فى أنتظار زوجى المسكون بأرواح العظماء ، المفتون بالصدق والحب لمن يرى قلبه بوضوح وهو يدخل كعادته ليحكى لى قبل أن يدخل من الباب ما صار معه فى الدنيا المسعورة عليه ... وربما لأن نفس الأصدقاء لم يحاولوا إشعال الشموع التى أحضروها لى وله وتركونا بلا اعواد ثقاب حتى ننير الطريق ، فدائما اتذكر كم كنت عمياء القلب وأنا أخذ منهم الشموع ولم اكترث أبدا لطلب الثقاب ...!
التطهر دائما لا ينبغى أن يكون لغير طاهر ، بل من يبحث عن الطهر طاهر بالأساس..
كانت نصائح البعض عندما أسأل عن أسلوب للتطهر هى ، أذا أردت أن تتطهرين عليك بالحجاب والذهاب للحج أو قراءة القرأن والصلاة باستمرار ...
أما أمى فكانت الوحيدة التى تنصحنى بالزواج والانجاب ، ولم أفهم وقتها ما العلاقة بين التطهر والإنجاب ؟!
أقف فى بلكونة الصالة بصوت عالى موجه للسماء اللامعة بنغبشات النجوم المنثورة بقوة ..أحدثنى بيأس ...
"  إذا أرادت أن تتطهرين ، لا تذهبى للحج ولا تصلى ولا تتلي تراتيل ، بل عليك أن تلدى !
نعم على أن أحمل وألد "؟!
2-حمــل..
مع طلوع روح من روحك تموت أشياء غريبة ، هل تعرفين ما هى هذه الأشياء ، كلها تقع فى إناء واحد هو التطهر ...
فتجدك تولدين من جديد مع المولود الشفاف الذى نزل حالا بدم طاهر من رحم واهن تماما ، من أول نبضة تشعرين بها تتكون تراتيل التوبة المرجوة ومع إرتفاع الصوت الصادر من القلب الساكن تحته مباشرة يعزف لحن الترنيمة الملائكية ، وعندما يزداد الحجم وتنمو تفاصيل الجنين الملائكى داخلك ويبدأ فى " زق " البطن و"رفس" جدار جسمك كله يجبرك على الشعور برغبته فى الحياة خارج حدود البطن ، فيبدأ برقص عنيف على موسيقى صنعها بنفسه حتى يصل لغايته " ويوجعك " جدا إلى أن يطهرك من كل ذنوب الدنيا ويولدك معه ..
وقتها لا تسألى كيف خرج منك مخلوق ؟!
وقتها ستعرفين لماذا أختار الله أمرأة كى يقربها منه ويضع جنته تحت قدميها ..
فلا تسألى عن سر الأوجاع وسر تتبع النغبشات الناعمة فى أحشاء أمرأة .. لن تجدى إجابة أبدا عن هذا السؤال ... لن تعرفى الا بعد أن تحملى روحا ودما ولحما داخل بطنك ، فهذه الحركات البهلوانية التى تقوم بها قطعة منى فى تجويف كنت أعتقده ملكى أنا فقط فإذا بهذا التجويف هو سكن أساسى لنطفة رائعة وضعها احساس ربانى داخلى فينفخ الله من روحه الطاهرة فى هذه النطفة التى تتحول لبنى أدم !
يسكن المخلوق العزيز مكانه الأن ، يشعر بى .. فى الحزن ، الفرح ، الطيران ، السقوط ، حتى هذه الدموع التى أزرفها كلما ضاق على العالم يشربها هو ليدفع بيده الصغيرة جدا مكان " السرة " فتفزعنى وأهب واقفة ، فيعود لمكانه هادئا مطمئنا بعدما أخرجنى من أحاسيسى المؤلمة ، فهو يكره جدا أن أشعر بالحزن ، فلا أحزن أبدا طالما أن كائنى العزيز وروحى الثانية فى أحشائى فيتبعنى ولا يتركنى بعيدة ... لست وحيدة !
3-ولادة
تنام صغيرتى نوما هادئا .. تداعبها الملائكة وتحوم حولها بإصرار على عدم إيقاظها ، يخبرونها الان أن أمها تموت فتئن أنينا يشبه أنين قطة صغيرة ثم تبكى بكاءا حزيا ، وعندما يخبرونها أن أبيها يموت تبتسم ، لكننى أعتقد أنهم يخبرونها عن مستقبلها فتبكى لما فيه سوء وتبتسم لما فيه من فرح ...
من المتفق عليه بينى وبين المعتقدات الموروثة أن الملائكة بالفعل تداعبها وتجالسها طول الوقت وأنا بعيدة عنها ، وعندما تنام تأتى لتؤنسها حتى أعود لها عندما تصرخ قائلة لااااا...
الملائكة الصغار بأجنحتهم ترقص لأعلى موسيقى ناعمة آتية من الجنة ، فما أن يتركوها ويذهبون تصرخ ألما حتى احتضها فتأمن ...
نسيت زحام الشوارع وعجنى الدائم بين الناس ... نسيت كيف أكون غاضبة ، نسيت كل الوجوه الأخرى التى كانت تملأ ذاكرتى بلا داع ، حتى العمل ذلك الشىء الوحيد الذى يسعدنى لم تعد له هذه الأهمية ، فكل ما يشعرنى الأن بأهميتى هى تلك الابتسامة الملائكية لصغيرتى .
4-بداية الأبدية
أمى عودى سريعا لمكانك المفضل على الأرض فى الصالة .. أمام البابور الذى لا يشتعل الا بحرارتك ، عودى سريعا لفراخك الوحيدة فى البلكونة ، فلا يسمن ولا يغنى لهم أى طعام لأنك غير موجودة ...
أخيرا ستلتئم جروحك ، كم كنت قوية ، انت من ربيت أربعة قطط وحدك حتى صرنا سيدتين ورجلين يحسدنا الناس على صحتنا وفوران دمائنا ومرحنا وطيبتنا ، كما يحسدوننا على شفافية نادرا ما تتجمع فى عائلة واحدة .. ذلك لأنك الوحيدة فى هذا الزمان التى تسامح ، تسامح حتى تفر الدمعة من عينيك ، واذا كانت العذراء مقدسة لأنها لم تعاشر رجلا ، فأنت مقدسة لأنك لم تعرفى أى شخص فى هذا الكون غير زوجك واولادك ، خرجت من آدم  صنعك الله له كى تتحملى ما لايستطيع تحمله وكان أول أختبار لك وله مع تلك الشجرة والتفاحة الشهيرة ،أقنعتيه بالأخذ .. تأثرت بالشيطان ... لم ترضى أمى أن تعيش فى الجنة بلا هدف ، تشرب وتنام وتلهو ...
لاداعى للحزن كلما نظرت لوجهك فى المرآة محاولة حفر ملامحك الأخيرة قبل إجراء تلك العملية ، أيضا لا داعى لأن تطيل النظر فى أولادك وأحفادك ..!
بهدوء صعدت روحك المريمية صعودا هادئا دون أن يشعر منا بما رأيته فى برزخك المزين لإستقبالك ، صعدت صعودا جميلا بلا ضجيج تزفها نفس الملائكة التى كانت تحوم حول ابنتى وهو نائمة ، ملائكة صغيرة نقية بلا ضجيج يقلق من سبقوك ولا من سيلحقك .. كما عشت هادئة ذهبت هادئة بعد أن أحتضنتى أبنتى بقوة لم تدهشنى ، ومع ذلك لم أظن وقتها أنها نظرة الرحيل ..
كان الاستعداد طويلا لنهاية الرحلة الدنيوية ...
كم من بروفات للملابس قمت بها قبل أن ترتدى فستانك الابيض الأخير وكم من أشخاص صادقتيهم وجيران جاملتيهم ، ببرونزية ملامحك وقصر قامتك ..
أمتلآت بطنك بتشريحات المذنبين ، لا أعتقد أن الأمومة لها معنى أخر غير أمومة العذراء وأنت ذهبت أمى العذرء .. هكذا دون أن تعلم للدنيا لونا أخر غير الأبيض ولا تعرف بشرا غيرنا نحن الأربعة الضالين فى الدنيا ... تجلس وحيدة بأنتظار عودتنا من التيه المستمر وما أن نعود نجلس حولها ملتفين فى دائرة محكمة .. تطير بقسوة الحكيم العالم ببواطن الامور ..
-      إنى راحلة ..!
-      ضحكت منها وقلت لها .. إى أين سترحلين يا فنانة
-      نظرت لى نظرة بها غيم ورددتها ..
-  سأرحل الى بيتى وأهلى .. أنا هنا ضيفة ثقيلة ، فمكانى الذى ينتظرنى ليس به أسنان أو لسان ولا تسكنه العقارب والثعابين ، بل ساكنيه من الأرواح المتعبة من الشقاء والألم الذين عانوه فى دنياهم ... سيرحمنى .. فزغردى لى وأضحكى كلما تذكرت أمك ..
-      أغمضت عينيها بهدوء شديد تاركة لنا الدنيا بما فيها متحدية أن نستتمتع بها
نامت .. نامت .. أحدى آيات الله على الأرض .. نامت دون صوت فيه همهمه أو آهه ، نامت وتركتنا بين أشجار الغابة يأكلوننا ونأكلهم ..!
عرفت بعد أن جاءت أبنتى وذهبت أمى أن الأرواح الطيبة تكون حول الأم دائما تنقذ لها أبنائها من المرض ، عرفت معنى أن تكون الجنة تحت قدميها ، فقد عاشت لنا ومعها قلوبنا فى رحلتها الجديدة للأبدية ؟!

الأحد، 2 أكتوبر 2011

عجوز

بعد يوم جمعة طويل ، مر على كسيدة منزل مهذبة ، أعددت فيها شوربة "سى فود" لأبى وزوجته الطيبة مع أرز السمك وبلطى مشوى ، وقمت بنظافة البيت وإشغال البخور وقت الصلاة ، وبعدما استطعت الهروب لساعتين فى الميدان بحجة شراء الغذاء ، ثم عدت وأعددت الطعام ، نامت ابنتى فى موعدها فى تمام الثامنة ، وانصرف أبى وزوجته ، وبقيت أنا كعادتى منذ خمس سنوات ، ينصرف الجميع ، وتؤنسنى وحدتى كعجوز ضاقت بها الحياة ، وضاق خلقها معها ، أتلصص على الماضى عبر ذاكرة مشوشة ، استدعى ذكريات ليس مهمة لأحد ، ربما استطيع خلق شىئ مهم منها ، أجلس وحيدة فى شرفة خشبية قديمة ، تهتز كلما حركت يدى على السور.
كعجوز
هاجمها ألزهايمر ، تنادى على أولادها الذين انشغلوا عنها فى الدنيا الكئيبة ، أتابع مظاهرة حاشدة تعبر شارع شامبليون ، ثم أسأل العابرون ، لماذا لم يسقط النظام؟! فقد مر عمرا طويلا فى الكفاح وسالت انهار دماء لأحباء وحررت البلد من الأعداء ، لماذا لم يسقط النظام؟
كعجوز 
انحنى ظهرها ، وطلع لها نتوء مشوه ، اجلس مع أرواح البيت الطيبين
أسألهم لماذا اقترب من الجنون هكذا ، فالوحدة بالتأكيد ليست سببا يا اصدقائى
فلا يجيبون أصلا ؟ ، ويتركونى لوحدتى عمدا ، غير مباليين بإثبات وجودهم بطرق صاخبة كعادتهم.
أقوم بتأنيب نفسى ، لأننى لم أبذل جهدا كافيا للنزول للميدان اليوم كعادتى ، فقط لان صديقة طيبة قامت بإخبار أبى أن ما أفعله فى الثورة هو الجلوس على المقهى واحتساء الشيشة على سبيل المزاح ، فيأتى ابى خصيصا اليوم لزيارتى ، خوفا على وعلى أبنتى من ثورتى ، لم أحب أن أعاتبها على اختزالها لشخصى فى الشيشة التى على ما يبدو انها تنظر لمدخنتها كما ينظر الرجل لها تماما .
قرارا ليس صائبا ، ولا يفيد احد على الإطلاق ، ولن يضر احد أيضا ، أن أمتنع عن الكلام والكتابة فى السياسة ، لأن هناك أشخاصا يعتقدون أنهم الأحق فهم الذين أمضوا عمرهم فى ممارستها ، أما أمثالى ممن أخذتهم حماسة الثورة ، فلا داعى أن يعيشوا فى الدور أكثر من ذلك ، ويصدقوا أنهم بيفهموا أصلا !
كعجوز
أحدث نفسى امام المرآة عن هواجسى تجاه العالم الحزين لكل اصدقائى ، وان على ان استمع للنصيحة التى ورمت أذنى ، انت أنثى لها احتياجات ، ولاداعى لأن تننشغلى بما ليس لك ، ركزى فى نفسك وابنتك ، ترى هل بلدى ليست لى ، هل هى فقط لمن مارسوا سياسة خرساء لسنوات ولم تقم لهم قائمة ، إلا بانضمام امثالى ممن لم يكونوا يوما مسيسيين ، ما بالى ابدوا كحمقاء مغتاظة من سلوك الصديقة التى لم تكن تقصد بالتأكيد ، أن تزايد على وطنيتى أمام مرأى ومسمع من أشخاص كثيرين ، فأنا بالتأكيد أراعى رغبتها العنيفة فى أن تبدو هى المتحمسة الثورية الوحيدة فى هذه البلد ، واعرف إنها ستغضب قليلا ، ثم تسأل الأصدقاء المشتركين والذين سيميلون بالتأكيد لمواساتها ، بأننى كدا ومعلش متزعليش انت مغلطتيش فى حاجة ، بس هى طيبة وكدا ؟ ههههههههههه
احمد الله اننى لست طيبة وكدا ؟
وان لى شكوك وظنون شريرة تجاه العالم ، تنقذنى من مآسى حقيقية ترواغنى لأقع فيها بسهولة ، أنا حزينة لقراري الأبله هذا ، والذى كما سبق وقلت لن يقدم أو يؤخر مع احد ، أنا فقط ، من سأعانى بفقد إحساس من أروع الأحاسيس التى مررت بها فى حياتى وهى الأحاسيس الثائرة تجاه الظلم ، سامحك الله يا صديقتى الطيبة .
                                    لوحة الفنان التشكيلى مارى

الخميس، 1 سبتمبر 2011

هما ميقصدوش ، انتى تقصدى ؟!


تمسك بالقطة "كارمن " تلاعبها ، تخربشها ، فتأتى الى باكية
- ماما ماما ، كارمن خربشتنى
فاربت عليها ، واخبرها
- اننى سأمشى كارمن من البيت
فتبكى اكثر وهى تقول ،
- لا يا ماما ، هى متقصدش
تنزل لتلعب بالشارع مع اولاد الجيران ، تأتى الى باكية ،
- ماما ، العيال مش عايزين يلاعبونى معاهم
- خلاص يا نهى متنزليش تلعبى معاهم
فتخبرنى وهى تتشحتف بصوت عالى
- لا يا ماما هما ميقصدوش
تطلب منى طلبات غريبة وغير مفهومة وأعدها بتنفيذها ، واذا تأخرت ،
- تطالبنى بالحاح وبكاء ، اقولها حاضر
- يا نهى معلش اصبرى على
-لا انت قاصدة متنفذيش ، ااااااااااااااااااااااااااااااا ، ااااااااااااااااااااا ، ااااااااااااااااااا ؟!!
هل يفهم احدكم ابنتى؟

الأحد، 3 يوليو 2011

وصدق ذلك الفلة لكن ، عذرا ، عمر الخير ما ينهزم سواء من كثير أو فلة فلة

الخوف الذى أنتابنى بسبب أحداث الثورة منذ انتهاء أيام الاعتصام الأولى بتنحى مبارك وحتى تفتيت جهاز أمن الدولة وفضحه ، لا استطيع مداراته ، ورغم اننى لست ممن لهم نشاط سياسى ولا حتى لدى حنكة وخبرة الممارسين للحقوق الإنسانية ، إلا اننى يراودنى دائما احساس بأن تلك البلاوى التى كنا نسمع عنها عن أمن الدولة والمخابرات ستطولنى ، وخاصة ان الشارع الذى أسكنه حاليا يعج بناس " زى الورد " عتاولة معارك وظبط بلاوى " وبينى وبينكم لم انسى حتى الان ذلك اليوم الاسود الذى توعدوا لى بأن يؤذونى لاننى اذهب للميدان وأشجع الناس الذي استضيفهم عندى على معارضة ابوهم الحنون "مبارك" ولا استطيع ان انسى "أبو طارق " وهو يرد على أحد المتظاهرين وهو مار ويقول له بعلو الصوت " مش هايمشى ياض يا صايع انت ، مش هايمشى ، انتم اللى هاتمشوا "، وفى نفس يوم معركة الجمل ، جمع كل السيدات اللائى يجلسن دائما على الناصية المقابلة له ، والذى لا أعرف حتى الان لماذا يجلسن دائما هناك ، وركبوا سيارات ووضعوا صور لمبارك واعلام ، وانطلقوا الى الميدان متجهين الى مصطفى محمود ، وهن ينظرن لى انا المعارضة الوحيدة فى المكان بشماته وفرحة عارمة لا وكأنهم انتصروا فعلا على الثوار ، وكأنهم يعرفون ان المعركة اشد من مجرد مظاهرة تأييد ولسان حالهم يقول " هاتشوفى يا حلوة انتى وهما " معركة الجمل تلك والذى يتضايق عمى سيد الوكيل من تسميتها بهذا الاسم جدا ، تركت فى نفسى إحساسا سيئا لم استطيع التخلص منه حتى الان ، ضررا نفسيا جسيما ، وبرغم اننى لم أكن وحدى فى تلك الليلة إلا لساعات قليلة سبقت حضور الأصدقاء الذين حضروا ليلة خوف مرعبة ، الا ان المشكلة التى اكتشفتها ليست فى تلك الليلة ، على العكس ، فقد مرت ليلة الرعب على خير والحمد لله ، رغم ان شباب الشارع المجتهدين الوطنين حرقوا معرض سيارات صاحب البيت الذى اسكنه وهو الوحيد الذى احترق فى الشارع كله ، ويبدوا من طيبة قلبهم انهم اختاروا هذا المكان تحديدا لانه فى ممر ليس به سكان وليس فوقه ادوار ، الطريف ان هناك نقطة شرطة فى نفس الشارع وتشعر بانهم هم الذين يديرون المنطقة ، لا اعرف اذا كان من الممكن ان ارفع قضية على من ، لا ادرى على من تحديدا ، لما لحق بى من ضرر نفسى اثر هذا اليوم العنيف ، اعرف اننى ربما ابدو مدللة ، لكن الوحدة ووجودى فى مكان حيوى ومركزى فى وسط البلد ، يدار منه كل الاتفاقيات الخاصة بتوزيع الخطة الامنية المازوخية للميدان ، هى التى جعلتنى فى حالة توجس وخوف دائم ، وظللت لفترة طويلة بعد التنحى لدى شعور بان هناك مكروه سيصيبنى بسبب اننى كنت من الثوار الأحرار الذين نادوا بسقوط النظام الفاشى ، ولشعورى المستمر ايضا ، بأن نظاما لم يسقط ، وبان أمن دولة لم يحل فعليا ، وان ما حدث هو خطة شديدة الذكاء من المخابرات او الحكومة لإلهاء الثوار فى شىء يعتقدونه عظيم وان هناك مصيبة تدار وراء تركهم مقار امن الدولة لقمة سائغة هكذا للثوار يجوبون ورائها البلد ، فيتلهون بما حققوا من نصر فى اقتحام تلك المقار البلهاء ، ويهللون قليلا بكم المستندات المضروبة ، والتى تم دسها خصيصا لإحداث وقيعة بين كادرات سياسية وإعلامية هامة كانت تؤيد الثورة بعد اكتشاف هذه الأوراق التى بدت خطيرة بالنسبة للبعض ، ولكن للأسف كانت عقلية الثوار اذكى من عقلية المخبر الجبار ، حيث فطنوا للعبة ، واخذوا يسخرون بمنتهى العنف من تلك المستندات المضروبة التى دستها امن الدولة بين أوراقها لتلعب اللعبة القذرة فى عمل الوقيعة الكبرى ، ولكنها مرت بسلام ، وتم الإعلان فعليا عن حل جهاز أمن الدولة ، فاذا بى اقابل احد الفلول فعلا ، وجها لوجه ، وهو عضو مجلس شعب سابق ، ليؤكد لى بكل تأكيد ، بأن هؤلاء البلطجية الذين يسمون نفسهم ثوار ، تم تثبيتهم من المجلس العسكرى الذى خان مبارك ، وان الشرطة ستعود اشد من الاول ، بل وسيظهر زوار الفجر ، وبقدر ما عاندناه انا وصديقتى " سلوى عزب " ورفضنا ذلك الكلام ، مؤكدين له ، ان الجيش والشعب ايد واحدة ، بقدر ما اكد هو ، لا يا ماما ، الجيش والحكومة هما اللى أيد واحدة ، ورفضنا تماما الاستمرار فى المناقشة واعتبرنا انه رجل مجروح لكرامته وخاصة ان سمعة الوطنى فى الحضيض ، ولم نحب ان نثقل عليه ، تركناه وقمت بإرسال رسالة للكاتب "بلال فضل " أحدثه فيها عن تلك المقابلة الغريبة ، لافتة نظره لان يعلن فى كتابته او يعطى إنذارا عن ما أخبرته به ، إلا انه بالتأكيد ربما لم ينتبه لرسالتى لانه يأته المئات من الرسائل يوميا ، ومرت الأيام ، وبالفعل صدق كلام عضو مجلس الشعب السكندرى والذى للاسف لا اذكر اسمه ، ويبدو ان كل المضارين الأغنياء من الثورة عددهم يفوق التصور ، لدرجة أنهم أشتروا الشرطة والشعب وحولوه لبلطجية ، وكأن ذلك الرجل كان يكلمنا بكل هذه الثقة ، لانه يعرف ما ينتون فعله جميعا ، بكل غرور كان يؤكد ، انه لاشىء سيتغير ، وان الشرطة ستعود اعنف من ذى قبل .

لكن بعد ما مر ، وبعد احداث الفتنة والسلفيين مع الصوفية ، وبعض الحوادث الفردية العظيمة ، وازمة الدستور ، والانتخابات ، وبعد الثلاثاء الماضى ، عادت لى طمأنينتى من جديد ، واستطعت ان افتح الشبابيك عن أخرها ، واقف بلا ادنى احساس بالخوف ، فالله سبحانه وتعالى لن يخذل الشهداء فيما قتلوا من اجله ، لن يترك دموع اهاليهم لتتحول انهار يسبح فيها قتلتهم ، بعد يوم الثلاثاء الماضى ، تأكد لى ايضا احساسى بالجيش ، انا على عكس كل المتشائمين منه ومتخوفين منه ، ويؤكدون انه يسعى لابتلاع الكعكة ، ارى انه يخاف الثوار ويحاول جاهدا ان يثبت حسن النية ، حتى لو بالبطء اللعين الذى تتحرك به الاحداث ، واعتقد انه لن يتدخل فى يوم 8 يوليو ، بل وسيقف حائط صد امام تجاوزات الشرطة والبلطجية المستأجرين ، اتعشم فى المجلس العسكرى والجيش عشم كبيرا لا اعرف مصدره ، ورغم التشكيك فى نواياه ، الا ان كل الشواهد تقول العكس ، ورغم كل التجاوزات التى حدثت فى الفترة من يوم التنحى والى الان ، الا اننى ارى ان ارتباك الاعلام ووسائله تجاه ما يحدث ، هو اكبر دليل على تخوفاتهم من ردود افعال الثوار المربكة والمفاجئة ، وكما اؤكد دائما ، انه مثلما بدأت تلك الثورة المجيدة بمعجزة ، ومفاجأة ، ستنتهى فعالياتها بمعجزة ومفاجأة غيرة متوقعة وهى خيررررررر انشالله ، انا احب ان اتفاءل وارى الخير ، وها أنا انتظر الحرية معكم بلا ادنى احساس بالخوف ، يحمينى الله انا وابنتى ، ودعاء امى واخوتى ، وخوف اصدقائى وصديقاتى .