الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

نهى لا تقول نعم أبدا


 سأنحى نوستالجيا الماضى حاليا ، وأحدثكم عن البنت التي تطير حول روحى ، تقيدها بسلاسل محبتها وعشقها ، تجبرنى على تعلم فنون الحياة ، البنت سبعة سنوات الآن ، أدخلتها مدرسة راهبات ، رغبة منى فى أن تتخلص من عنصرية التفكير ، وأيضا طلبا لمساعدتى فى تربيتها ، حيث اننى لا اقوي وحدي على تقويمها ، فإذا بالبنت تتمرد بكل عفوية على أسلوب التربية ، ترفض التوجيهات ، والرفض والمنع ، كلمة لا ، التى نزلت بها وهم يخرجونها من بطنى ، اعتقدها الطفلة الوحيدة التى نزلت من بطن أمها تقول لالالالالالالالالا، وليس واااااااااااء ، فكتب أبوها الراحل محمد حسين بكر مقالا فى الخميس بعنوان " نهى التى قالت لا " ولم يكن يدرى انه يتنبأ بمصير أبنته التى لن يراها وهى تكبر بتعذيب أمها بكلمة لا الدائمة ، تناقشني فى كل كبيرة وصغيرة اطلبها منها ، لا أنكر اننى اخترت أسلوب الصداقة والحوار منذ كانت جنينا يعاركني ويحاورني بلمساته الرقيقة فى رحمى وتلكزنى بعنف إذا غضبت ، لكن كلما كبرت كلما عانيت من الأسلوب الذى اخترته انا بمحض ارادتى ، وعندما يشتد على دور الأمومة ، وارغب فى تقمصه ، فأنهرها بصوت عالى ، أو أمد يدي عليها ، تبكى قليلا ، وترفض الاستسلام للضرب أو التعنيف فتجد محاضرة فى أخلاق الأمومة والطيبة :

- فى حد يعمل كدا فى بنته

- يعنى لو كنت مت دلوقتى (طبعا الضرب عبارة عن كفى على ايدها ، او هز كتافها ، كدا بقى هاتموت خلاص )

- انت كدا مش بتحبى بنتك

- محدش يقول كدا لبنته

- حرام عليكى قلبى وجعنى اه يا ماما ، خلاص بقى طبطى على واحضنينى

- على فكرة انا هاقول لمدام ماريان انك ضربتنى

- هاقول للناس كلها انك زعقتلى

- انا هاموت نفسى عشان ترتاحى (طبعا جينات الاب هنا عاملة شغل جامد)

المهم استرسالها فى اعطائى درس الامومة ، ما هو الا حيلة لتدفعنى لمصالحتها واحتضانها ، فاستسلم ، وانادى عليها واطبطب عليها

-         يا حبيبتى متعمليش كدا تانى مفيش حد يقول لامه كدا

-          وليه مقولش كدا ، امال اقول لمين ؟

-         يا حبيبتى البنات المؤدبة بتسمع الكلام لما ماما تطلب حاجة ، وانا مش بطلب منك حاجة لنفسى ، انا عايزاكى تذاكرى ، اتمرنى على الكتابة ، مدام الفرنساوى بتشتكى من خطك ، وانك مش بتركزى خالص معاها فى الفصل

-         انا بركز بقعد عاملة كدا ومركزة ، وهى اللى مش بتاخد بالها انى مركزة

-         يعنى يا نونو لو مش هاتمشى فى المدرسة دى هاخرجك منها

-         لا يا ماما لالالالالالالا ياماما ، انا بحب مدرستى وجنة صحبتى

-         خلاص هاوديكى مدرسة تانية تصاحبى فيها ناس تانية ، مدرسة حكومية

-         بكاء مرير ، لا لالالا ، يا ماما ، المدرسة الحكومية بتضرب العيال بالخرزانة ، انا شفت بعينى لما رحت مع محمد ابن خالى ، وزحمة فى الفصل وبيقعدوا على الارض

-         طب خلاص لو عايزا تحافظى على مدرستك لازم تذاكرى

-         حاضر هاذاكر ، تدينى كام بقى ؟

-         يادماغى ، انا بقولك تذاكرى عشان نفسك تقوليلى اديكى كام ، وتجيبلى ايه

-         طب تعالى نتفق مع بعض يا نونو ، كل صفحة هاتكتبيها هاديكى عليها نص جنيه بس بشرط يبقى خط جميل

-         لا جنيه

-         نص جنيه

-         لا جنيه ، وهو ده هايبقى مصروفك ، زى ما انا بشتغل وباخد اجر ، انت كمان شغلك هايبقى مذاكرتك ، لو ذاكرتى هاتاخدى مصروف ، مذاكرتش مفيش مصروف ، اتفقنا

-         ماشى يا ماما ، خلاص ، بس متضربنيش تانى ، عاقبنى بطريقة تانية

-         طريقة تانية ازاى يعنى

-         دخلينى الاوضة واقفلى على ، بس متطفيش النور ، وخاصمنى 5 دقائق

-         يا سلام ، ما انا بعمل كدا ومش بتسيبنى انفذ العقاب ده خالص

-         خلاص يا ماما اعملك ايه متعاقبنيش ، انا هابقى شاطرة

جننتنى البنت ، هذا بخلاف التصاقها التام بى ، منعى من الذهاب لاى مكان ، معرفة كل كبيرة وصغيرة عن حياتى ، ردها على تليفونى ، ومعرفتها بكل اصدقائى ، محاولتها اختيار عريس لى من بين زملائى واصدقائى ، واقناعى بأن حل مشكلتها فى انى اجيب لها أخت تربيها هى ؟ هههههههههه ، اه والله شىء يجنن ، ينتهى اليوم بأنها تغنى لى أغنية فرنساوى ، وتقلد لى شوية من اصحابنا ، وجدها وخالها ، وخالتها ، وتحكى لى حدوتة وتنيمنى نننة .

-  

 

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

ولادة الفرح


فى مثل هذه الليلة منذ 6 سنوات و363 يوم ، كنت فى نفس الحالة تقريبا ، وحيدة ببطن منتفخ ، وكان قد وصل الخوف من الولادة واكتئاب الولادة مدااااااااااه ، كان بكر رحمة الله عليه ينام خارج البيت كثيرا ، وكانت هى كلما حزنت ترفس بطنى رفسة مؤلمة ، راف
ضة دموعى واكتئابى ، فى هذه اللحظات ، تصل مشاعر الخوف من الموت اثناء الولادة او ان يأتى الطفل لاقدر الله بسوء فى جسمه متضخمة جدا ، وكان حزنى على أمى التى أصابها السرطان القاتل وصل مداه ، وأختى كانت تستعد لانفصال ، وكانت قد قررت امى الا تقوم باجراء العملية الجراحية لاستئصال الورم اللعين من فمها الا بعد ان اقوم من ولادتى وتعمل لى سبوع لووز ، حالة مربكة نفسيا لى ولمن تشاركنى رحمى وروحى فى ذاك الوقت ، المهم ولدت نهى فى رمضان 2005 وبعدها شاركتنى كل ألم بقوة مرعبة ، جاءت لى البنت لأتغلب على فقدان شديد الحزن بموت فاطمة أمى ، ثم بعدها لتشاركنى الذهاب لمستشفى معهد ناصر حتى كان عيد ميلادها الاول والوحيد مع ابوها الاديب الراحل محمد حسين بكر ، له ولنونو ولى ، نونو الان أم ذات سبع سنوات تحاول اعطائى دروسا فى تربيتها ، انا التى لم تعتاد الا القيام بدور الصداقة والعيش مدللة ، فتصادقنى وتدللنى وتريدنى تحت قدميها أبنة مطيعة ، وانا اتذمر احيانا كطفلةرافضة وصايتها على ، وأزعق فيها ببراءة وانا اقول لها (متتكلميش معايا كدا أنا أمك) تنظر لى بتعجب وكأنها تسخر منى وتقول لى (والله ) فأتركها لأهدأ وتفاجئنى ببيت شعرى مكتوب بخط منعكش (القمر حارس الليل ) فأضحك واحتضنها وانسى اننى أم واعود لبنوتى لها ، حبيبتى كل سنة وانت معى واتمنى ان تذكرينى عندما تكونى وحدك .

الأربعاء، 16 مايو 2012

فى البنوة التى تحيينى



تزدحم أدراج البيت بمخلفات اعتقدها هامة ، وتتعارك كتبى فى المكتبة على أهمية ظهور كعوبها للضيوف ، وأنا الذى أعرف قيمة كل واحد منهم ، يداعبنى شباك مضىء يظهر من الشباك الطويل جدا المفتوح من غرفة المكتب على الطريق المؤدى للسيدة زينب ، وتدغدغ أذنى أغنية "البت مديحة انا شفت بتاعها وبتاعها لمونى زغل لى عيونى " لشباب المقهى الذى يبعد عن شباكى مسافة أربعة ادوار فقط ، وتتواتر الى إعلانات مرشحى الرئاسة فى فاصل برنامج " آخر كلام " ذلك البرنامج الذى يجعلنى ارتمى على كنبتى القديمة أجهز على علبتى سجائر سوبر وكوبين من النسكافيه البلاك وربما كان سببا فى زيادة وزنى ، ولم امتنع عن مشاهدته واترك قناته تعمل دون توقف حتى أثناء تلك الإعلانات السخيفة الذى يمكن لوقتها ان يحقق لى مكاسب مشاهدة أخرى على قنوات أخرى ، تنادى كارمن على لأطعمها ، وقد انتابني تجاهها حالة نفور عجيبة أثر جرح سببته لى تلك السيدة التى تدعى الرقة والمحافظة على حقوق الإنسان ، فما كان منها إلا أنها انتهكت انسانيتى لمجرد خلافى معها فى الرأى ، وكأن روحى ترفض تلك القطة التى اهدتنى إياها يوما ، فها أنا لا أطيقها بالبيت ، وأريد إطلاق سراح كارمن الى الشارع ، اعتقادا وإيمانا منى بأنها ستعيش افضل بينهم ، أتحرك بعد انتهاء عشرة كلمات من كتابتى هنا للاطمئنان على "نهى " وهى نائمة وأنا أدعو الله ان يكون ليس هناك أثر للحادث التى تعرضت له صباحا آثر اصطدامها بسيارة عندما تركت يدى بشقاوتها المعتادة ، وعندما رأتنى أبكى ابتسمت ابتسامة مصطنعة وهى تقول لى " خلاص يا ماما أنا كويسة والله أنا كويسة اهو " هى أقوى منى بمراحل ، تخيفنى قوتها وإصرارها على أن تثبت لى أنها أبنة قوية ، أتمنى ان أكون أم قوية تستحقها ، على التخلص من كل رغباتى الأخرى التى تضعفنى ، وتجلعنى فى مآزق نفسى مربك فى مواجهة صعاب الحياة ، وبفضل قوتها ، أجلس هادئة الأن أبحث فى عقلى عن أسباب الحزن الغبى الذى ينتابنى ، هى أنفاسى الحقيقية التى أحيا بها ، قطعة من جسدى تشبهنى الى حد التطابق ، وأتمنى ألا تشبهنى فى الواقع ، فأنا أم بلهاء لم أكن يوما بدهاء الحياة ومكرها ، ربما اكتشفت بداخلى قوة إرادة وأنا أواجه الحياة وحدى ، وأنا أحفر أساسات مستقبل أتمناه سعيدا بالطبع ، فعندما رحلت امى اعتقدت اننى سأفقد الطريق تماما ، وعندما رحل زوجى ، تيقنت اننى وجدت الطريق ، فقد بانت لى أمارات القوة الحقيقية داخلى ، وأخرجت البنت الشقية كل عفاريت التحدى والصمود ، ساندنى الأصدقاء والأهل لأقف أمام عثرات الوحدة والحاجة، ربما لن تسع هذه المدونة بعدد صفحاتها الذى لا ينتهى ، شكر كل الناس الذين ساندونى بما فيهم من أذونى وتخلوا عنى ، فقد ساعدونى أيضا فى أن اعرف اننى لا أهزم أبدا ، أصبحت الوحدة شريكة مهذبة وجميلة ومطيعة ، وأصبحت أبنتى تقهر تلك الوحدة وتجبرها على الرحيل اذا أرادت ، وقهر الرغبة المرعب الذى زرعه الله داخل الجسد المرهق جعلته يتجه بغباء الى طرق لبشر مشوهين ومرضى ، انقذتنى البنت ببراءتها من الوقوع فى هذه الطرق ، أتوسل الى الله ان يمنحنى متعة بنوتها الى الأبد الخاص بى ، فأى شىء فى هذا الكون لا يساوى نظرة من عينيها الباسمة بأمل عندما تصحو بابتسامتها وتضحك ، وهو تقول بغنج طفولى "ماما" وتحتضننى حضنا يكفى لشفاء مرضى الكون ، أصبحت لا أطيق الجلوس مع بشر حتى تبدأ لحظة اشتياقى لها ، هى بنت السادسة والنصف الذى تقول لى عندما اتركها مع ابى اثناء ذهابى لموعد " خلى بالك من نفسك يا ماما " يارب تنجحى " فانجح ، فاليوم تحديدا وقبل الحادث الذى أرعبنى عليها صباحا قالت لى :
-  "ماما أنا كلمت النجمة امبارح وقالت لى انها هاتبعتلك حاجات كتير اوى عشان تجيبلى اللى انا عايزاه ، وتودينى ماك وكنتاكى وووو"
-       قلت لها يا بنت وافرضى بقى مبعتتش حاجة النهاردة
-       قالت لى خلاص متخافيش انا مش هاطلب حاجة وهى هاتبعت لك الحاجات بكرا " يااااااااااااااااااه ،
أنا صفر بجانبك ، أنا أخلو من أنا إذا لم تكونى هنا أصلا ، أنا أنت يا قطعة لحمى الصغيرة ، تحميكى ملائكة الخير من شر البشر والكائنات اللى مستخبية فى خيالك يا قلبى ، أنا دونك يا عينى لا أرى الكون لا جميلا ولا قبيحا ، اعمى بصر وبصيرة ، دونك حتى الموت لا معنى له ، احمد الله أنها هنا ، يارب دوام نعمتك فى دوام حضنها ، احمد ك يارب ، ما كل هذا الحنان يارب ، أدم على نعمة بنوتها وبارك لى فى أمومتى ، أنا أحتاج لك كل لحظة أن تباركنى ، وانت بالفعل لم تبخل على ببركتك يوما ، بكل ما ترسله لى أرضى ، راضنى بدوام نعمتك على فى ابنتى ، باركنى برضاك وعفوك وكرمك ومحبتك ، لى ولها وبها . احمدك يارب.