تزدحم أدراج البيت بمخلفات اعتقدها هامة ، وتتعارك كتبى
فى المكتبة على أهمية ظهور كعوبها للضيوف ، وأنا الذى أعرف قيمة كل واحد منهم ، يداعبنى
شباك مضىء يظهر من الشباك الطويل جدا المفتوح من غرفة المكتب على الطريق المؤدى
للسيدة زينب ، وتدغدغ أذنى أغنية "البت مديحة انا شفت بتاعها وبتاعها لمونى
زغل لى عيونى " لشباب المقهى الذى يبعد عن شباكى مسافة أربعة ادوار فقط ،
وتتواتر الى إعلانات مرشحى الرئاسة فى فاصل برنامج " آخر كلام " ذلك
البرنامج الذى يجعلنى ارتمى على كنبتى القديمة أجهز على علبتى سجائر سوبر وكوبين
من النسكافيه البلاك وربما كان سببا فى زيادة وزنى ، ولم امتنع عن مشاهدته واترك
قناته تعمل دون توقف حتى أثناء تلك الإعلانات السخيفة الذى يمكن لوقتها ان يحقق لى
مكاسب مشاهدة أخرى على قنوات أخرى ، تنادى كارمن على لأطعمها ، وقد انتابني تجاهها
حالة نفور عجيبة أثر جرح سببته لى تلك السيدة التى تدعى الرقة والمحافظة على حقوق الإنسان
، فما كان منها إلا أنها انتهكت انسانيتى لمجرد خلافى معها فى الرأى ، وكأن روحى
ترفض تلك القطة التى اهدتنى إياها يوما ، فها أنا لا أطيقها بالبيت ، وأريد إطلاق
سراح كارمن الى الشارع ، اعتقادا وإيمانا منى بأنها ستعيش افضل بينهم ، أتحرك بعد
انتهاء عشرة كلمات من كتابتى هنا للاطمئنان على "نهى " وهى نائمة وأنا
أدعو الله ان يكون ليس هناك أثر للحادث التى تعرضت له صباحا آثر اصطدامها بسيارة
عندما تركت يدى بشقاوتها المعتادة ، وعندما رأتنى أبكى ابتسمت ابتسامة مصطنعة وهى
تقول لى " خلاص يا ماما أنا كويسة والله أنا كويسة اهو " هى أقوى منى
بمراحل ، تخيفنى قوتها وإصرارها على أن تثبت لى أنها أبنة قوية ، أتمنى ان أكون أم
قوية تستحقها ، على التخلص من كل رغباتى الأخرى التى تضعفنى ، وتجلعنى فى مآزق
نفسى مربك فى مواجهة صعاب الحياة ، وبفضل قوتها ، أجلس هادئة الأن أبحث فى عقلى عن
أسباب الحزن الغبى الذى ينتابنى ، هى أنفاسى الحقيقية التى أحيا بها ، قطعة من
جسدى تشبهنى الى حد التطابق ، وأتمنى ألا تشبهنى فى الواقع ، فأنا أم بلهاء لم أكن
يوما بدهاء الحياة ومكرها ، ربما اكتشفت بداخلى قوة إرادة وأنا أواجه الحياة وحدى
، وأنا أحفر أساسات مستقبل أتمناه سعيدا بالطبع ، فعندما رحلت امى اعتقدت اننى
سأفقد الطريق تماما ، وعندما رحل زوجى ، تيقنت اننى وجدت الطريق ، فقد بانت لى أمارات
القوة الحقيقية داخلى ، وأخرجت البنت الشقية كل عفاريت التحدى والصمود ، ساندنى الأصدقاء
والأهل لأقف أمام عثرات الوحدة والحاجة، ربما لن تسع هذه المدونة بعدد صفحاتها
الذى لا ينتهى ، شكر كل الناس الذين ساندونى بما فيهم من أذونى وتخلوا عنى ، فقد
ساعدونى أيضا فى أن اعرف اننى لا أهزم أبدا ، أصبحت الوحدة شريكة مهذبة وجميلة
ومطيعة ، وأصبحت أبنتى تقهر تلك الوحدة وتجبرها على الرحيل اذا أرادت ، وقهر
الرغبة المرعب الذى زرعه الله داخل الجسد المرهق جعلته يتجه بغباء الى طرق لبشر
مشوهين ومرضى ، انقذتنى البنت ببراءتها من الوقوع فى هذه الطرق ، أتوسل الى الله
ان يمنحنى متعة بنوتها الى الأبد الخاص بى ، فأى شىء فى هذا الكون لا يساوى نظرة
من عينيها الباسمة بأمل عندما تصحو بابتسامتها وتضحك ، وهو تقول بغنج طفولى
"ماما" وتحتضننى حضنا يكفى لشفاء مرضى الكون ، أصبحت لا أطيق الجلوس مع
بشر حتى تبدأ لحظة اشتياقى لها ، هى بنت السادسة والنصف الذى تقول لى عندما اتركها
مع ابى اثناء ذهابى لموعد " خلى بالك من نفسك يا ماما " يارب تنجحى
" فانجح ، فاليوم تحديدا وقبل الحادث الذى أرعبنى عليها صباحا قالت لى :
-
"ماما أنا
كلمت النجمة امبارح وقالت لى انها هاتبعتلك حاجات كتير اوى عشان تجيبلى اللى انا
عايزاه ، وتودينى ماك وكنتاكى وووو"
-
قلت لها يا بنت
وافرضى بقى مبعتتش حاجة النهاردة
-
قالت لى خلاص
متخافيش انا مش هاطلب حاجة وهى هاتبعت لك الحاجات بكرا "
يااااااااااااااااااه ،
أنا صفر بجانبك ، أنا أخلو من أنا إذا لم تكونى هنا أصلا
، أنا أنت يا قطعة لحمى الصغيرة ، تحميكى ملائكة الخير من شر البشر والكائنات اللى
مستخبية فى خيالك يا قلبى ، أنا دونك يا عينى لا أرى الكون لا جميلا ولا قبيحا ،
اعمى بصر وبصيرة ، دونك حتى الموت لا معنى له ، احمد الله أنها هنا ، يارب دوام
نعمتك فى دوام حضنها ، احمد ك يارب ، ما كل هذا الحنان يارب ، أدم على نعمة بنوتها
وبارك لى فى أمومتى ، أنا أحتاج لك كل لحظة أن تباركنى ، وانت بالفعل لم تبخل على
ببركتك يوما ، بكل ما ترسله لى أرضى ، راضنى بدوام نعمتك على فى ابنتى ، باركنى
برضاك وعفوك وكرمك ومحبتك ، لى ولها وبها . احمدك يارب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق