ربما لن
يفهم أى مخلوق ما أريد التعبير عنه بخصوص ابنتى ، لكن عشمى فى الله أن أجد هناك فى
ركن بعيد من العالم إنسانا يستوعب ما سأحكيه .
فى البداية نغبشت البنت جدار رحمى نغبشات مؤلمة ، أرتعشت
وخفت ، كان حديث طويل بينى وبينها مستمر ، تألمت بشدة ، وشعرت بحركتها منذ الشهر
الأول ، لم تصدقنى النساء ولم يصدقنى الرجال ، ولكن أقسم بالله أن هذا حدث بالفعل
، كانت تعرف متى أكون فرحة ، أو تعيسة ، وكنت اذا حزنت ، توخزنى بألم فى جدار بطنى
حتى أفيق ، وتنزل بكل ثقلها على المثانة والرحم لأشعر بثقل الحمل فألتهى بها عما يحزننى
، حتى جاء يوم ولادتها ، وكان يوما غريبا نوعا ما ، حيث كان نهار رمضانى ، وكان
زوجى رحمه الله عصبيا ومدخنا ولا يستطيع الصوم بسبب مرضه الشديد بالقلب ، فكانت
ليلتى قبل الذهاب للمستشفى لانجب أبنتى ليلة طويلة ومتعبة اكثر من الالام الحمل ،
كان يحاكم العالم من خلال غضبه على ، فقد صرخ فى بصوت سمعه العالم ، أنا لست من
هذه البلد ، أنا أديب كبير ولن يعرف قيمتى إلا المترجمين ، فهنا لا يتلفتون الا
لمن يترجم لهم ، كان اعتقادا غريبا منه ، كان ناقما وحزينا على عدم تحققه فى ذاك
الوقت ، وظل يصرخ فى وجهى ويعنفنى ويهزنى بعنف وأنا احاول تهدئته ، وهو يذكر لى
نهايات مؤلمة لكتاب عمالقة ، ويقول لعلمك أنا سأصبح مثل هؤلاء يوما ، وطلع النهار
وهو لا يريد أن ينام ، وأنا أحاول أن أغفو لدقائق ، ولكن هيهات فقد كان موعد
الولادة قد حل ، وبالفعل ذهبنا للمستشفى ، للطبيب الذى تسبب فى خلع فخذ البنت وهو
يسحبها من بطنى ، وأخذها مسرعا وذهب بها الى أقرب طبيب عظام وأنا مازلت فى البنج ،
لدرجة أنى أفقت وهم يخيطون بطنى على صرخة أبنتى وهى تتألم ، ولم أكن أعرف وقتها
أنها كانت صرخة آلم ، ثم أختفى وتركنى فيها مع أبى وأمى وأختى فور خروجى من غرفة
العمليات ولمدة ثلاثة أيام متتالية .. ثم عاد وهو مرهق ليقول لى أنه ذهب
ليعمل ونام ليومين ، أيقنت وقتها أننى وحيدة تماما ، وأنه لن ينفعنى فى هذا العالم
سوى أبنتى ، خاصة وانى وقتها كنت أستعد لفقد أمى ، الذى توفيت بمرض السرطان القاتل
، وكأن الله أراد لى ألا أحرم من الحنان والعطف ، وأصبحت نونو أبنتى هى أمى ايضا .